الأدب مقدّم على العلم .

رافقني أصغر الأبناء شمس الدين إلى ملعب البقعة لممارسة التمارين الرياضية كلّ يوم السّبت، والاثنين، والأربعاء. وبمجرّد ما دخلنا الملعب يوم الاثنين أسرعت كعادتي للمدرب لأصافحه وألقي عليه السّلام، وكان يتوسّط المجلس ثم عدت لليمين لأبدأ بمصافحة الزملاء، وقلّدني في ذلك ابني.

غضب منّي أحد الزملاء، لأنّي في نظره خالفت سنّة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم !، قائلا: هل أنت أفضل أم سنة رسول الله !.

واصلت التمارين الرياضية رفقة الزملاء و خلف المدرب كالعادة منذ سنوات. وبعد الانتهاء من التدريب الذي دام ساعة من الزّمن، ونحن نخرج من الملعب، قلت للزميل صاحب العتاب:

يوجد في فقهنا قاعدة ذهبية ألا وهي: “الأدب مقدّم على العلم”، ورحت بعدها أشرح له القاعدة عبر مثالين، وهما:

الأوّل: رفض سهيل بن عمر مبعوث قريش في صلح الحديبية وبقوّة أن تكتب كلمة “رسول الله”، وطالب باستبدالها بكلمة “عبد الله”، قائلا: لو علمت أنّك رسول الله ما قاتلتك، لكن أعرفك على أنّك ابن عبد الله. وما كان من سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلاّ أن طلب من سيّدنا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه، أن يمحو كلمة “رسول الله” ويستبدلها بكلمة “عبد الله”، فرفض سيّدنا علي بن أبي طالب أن يمحو الكلمة.

قلت له: هل يعتبر سيّدنا علي بن أبي طالب مخالفا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ هل يعتبر سيّدنا علي بن أبي طالب من العصاة لأنّه لم يمتثل لطلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ أجيب: حاشا لله ولرسوله أن يكون سيّدنا علي بن أبي طالب مخالفا أو عاصيا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. زدته وضوحا، وقلت: كلّ ما هنالك أنّ سيّدنا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه كان مؤدّبا مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يرضى أن يمحو كلمة “رسول الله” لأنّ محوها في نظره دائما ليس من الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم .

ولذلك لم يعاتبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يزجره، والتزم الصّمت وحذفها بأصبعه الشريف، وظلّ سيّدنا علي بن أبي طالب المؤدّب في نظر المؤدّب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. ويكفيه فخرا أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم منح القيادة واللّواء لسيّدنا علي بن أبي طالب في غزوات تلت صلح الحديبية، التي رفض فيها سيّدنا علي محو كلمة “رسول الله” واستبدالها بكلمة “عبد الله”.

ثانيا: في الأيام الأخيرة من حياة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم استخلف من بعده سيّدنا الصّديق رضوان الله عليه في الصّلاة، وذات يوم شعر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالراحة فدخل المسجد، فحاول الصّديق بمجرّد ما شعر بدخوله أن يتأخر عن الإمامة ليتقدّم سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إماما، فردّه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليبقى في مكانه، وتأخّر سيّدنا الصّديق تأدبا واحتراما لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

قلت له: هل يعتبر سيّدنا الصّديق مخالفا لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ هل يعتبر سيّدنا الصّديق من العصاة لأنّه لم يمتثل لطلب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وفضّل أن يصلي مأموما عوض إماما بسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما طلب منه ذلك إمامه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم؟ وكلّ ما هنالك أنّ سيّدنا الصّديق رضوان الله عليه كان مؤدّبا مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولم يرضى أن يكون إماما في حضرة الإمام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأنّ إمامة الصّديق في نظر الصّديق ليست من الأدب مع الإمام سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولذلك لم يعاتبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولم يزجره، والتزم الصّمت.

وظلّ سيّدنا الصّديق المؤدّب في نظر المؤدّب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وظلّ سيّدنا الصّديق كما كان منذ عهد الصبا، الصّاحب والمستشار والصهر والمفضّل لسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، واختارته الأمّة طواعية لأنّه المؤدّب مع المؤدّب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّمه، مثله في ذلك كمثل سيّدنا علي بن أبي طالب المؤدّب مع المؤدّب سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا يمكن للأمّة بحال أن تختار على رأسها وقائدا لها إلاّ المؤدّب الذي يفضّل الأدب على العلم.

أعترف أنّ صاحبنا لم يضف كلمة على ما قلته له، وأعجب بما ذكرته له، ومبلغ علمي أنّه لأوّل مرّة يسمع مثل هذه النظرة لمعنى الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، والمعنى الحقيقي لمعنى الأدب قبل العلم مع السّنة والسّلف.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط