[السرطان مش حكم إعدام ] مع قصة الفتاة الفلسطينية التي تغلبت على آلام السرطان بالعزم والإيمان وقوة الأمل.

الساعة الثالثة عصرا حسب توقيت مدينتي ،كنت أسير في الطرقات وحيدة تائهة ،بعد مغادرتي المستشفى ،كان حزني ينخر جسدي نخرا ،كان اليأس قد سيطر على شتى أفكاري ، وقلبي !قلبي تجرع حسرة ووجع

والخوف داخل قلبي قد استوطن ،من بعد مجرد تحليل قمت بإجرائه ،غيرَ مجرى حياتي خلال خمس ثوان ،

تحليل يتضمن داخل سطوره أن بداخل أحشاء جسدي ورم ،يختلف عن جميع الأورام ،ورم بداخل جهازي التناسلي ،سوف يحكم عليه بالحرمان من أن أسمع كلمة أمي طوال سنين حياتي ،

الكلمة التي تحلم بها كل فتاة ،

الآن حرمت منها .

إلتقطت هاتفي وكان رقمه هو أول رقم على قائمة السجلات ،لم ألبث ثوان إلا و قد أجاب على إتصالي ،لم أستطع أن أنطق ببنت شفه ،لم يكن يسمع مني سوى البكاء فقط .

-نجمة ؟

نجمة: أنا أحتاج إليك

يامن: أين انتِ ؟

نجمة: جالسة عند تلك الشجرة التي جمعتنا أول مرة

يامن: أنا قادم

لم أستطع أن أتكلم و الصمت كان سيد المكان ،سلمته ورقة التحليل ،وقرأها ،نظر إلى عيوني بضع ثوانٍ

يامن: سوف يكون كل شيء على ما يرام ،أمسك بيدي وأوصلني حيث أقطن مع والداي حتى آخذ قسطا من الراحة .

الأمر الأشد إيلاما برودة أعصابه ،التي حطمت لهفتي في أن أحتضنه وأبكي على كتفه لعل وعسى أن أشعر بقليل من الأمان وسط ذلك الخوف الذي يستعمرُ قلبي .

في إحدى الليالي حيث كنت جالسة على شرفة منزلنا، وصلني إشعار رسالة هاتفية ،رسالة راهنت الجميع أنها لن تصل إلى هاتفي ،لكن في هذه الليلة أمام هذا الرهان الكبير أنا خسرت ،هذه الرسالة كسرت قلبا وهدت أملا كان ينمو بداخلي .

نص الرسالة : (غداً يوم زفافي ،أنا أعتذر أنت ِلا تصلحي أن تكونين زوجة ) .

لم أصدق ما قرأت ،تفحصت إسم المرسل مئة مرة ،لكن عبث ، إلتقطت الهاتف مرة اخرى لأرسل له لكن قبل ذلك ،خبأت وجعي كسري ضعفي ودموعى تحت وسادتي وكتبت :(سأكون أول الحاضرين) .

استيقظت في الصباح التالي على أمل أن يكون هذا كابوسا مضى وانتهى ، قرأت الرسالة مرة أخرى ، لكنها حقيقة مرة كالعلقم سوف أتذوقها .

قلت في نفسي ما هو ذنبي ؟

ما هو ذنبي إذا داهم المرض جسدي !

ربما له الحق في ذلك ،ومن يتزوج بإمرأة لن تنجب له طفلا يحمل إسمه ،لكن كيف ؟

كيف استطاع أن يتركني ويتزوج بأخرى ؟ أين الوعود التي قطعها ؟ أين ذلك الحب الذي جعله يسهر ليال متواصلة ليكسب قلبي ؟

إرتديت ثوبي الأسود، وقلادة أهداني إياها في يوم ميلادي ،وضعت القليل من الكحل وأحمر الشفاه ،ذهبت إلى الزفاف بكامل زينتي ،

زينة لم يعتاد على أن يراني بها من قبل ، إقتربت منه ،دموعي خبأتها ،كلمات الحب والعتب أخفيتها ،كادت رجفة يدي أن تفضح ضعفي ،لكن بالرغم من ذلك كانت أكثر لحظة أظهر بها قوية أمامه ، إقتربت منه أكثر فأكثر ،وقلت له :مغفل أنت كثيراً ،مغفل أنت لو ظننت أنني سوف أبكي على فراقك ،منذ أول مرة إلتقيتك بها وأنت الرابح ،ولكن اليوم وفي تلك اللحظة بالتحديد ،أتى دورك لتخسر ،هنيئا لك ما اخترت .

سرت فور إنهاء جملتي الأخيرة دون السماح له بالكلام ،مضيت دون أن ألتفت له مرة أخرى ،تخلصت من ضعفي وحزني ،والقلادة عند حافة قدمه على الأرض رميتها .

الطبيب :علينا أن ننهي العلاج بالأدوية ومن ثم نبدأ بالعلاج الكيماوي والأشعة ،يجب أن نمنع إنتشاره في الخلايا الأخرى .

ربما كان خوفي أكثر من الألم الذي أشعر به ،خوفي من كلام الناس عن هذا المرض ،خوفي من أخذ جرعة كيماوي ،من كل حقنة سوف تدخل إلى جسدي ،شعري الذي سيسقط شعرة تلو الأخرى ،بعد معانتي ليصبح شعراً كثيفاً طويلاً ،وملامح وجهي التي ستتغير .

خلال لحظة شعرت أن أبواب الدنيا أغلقت أمامي .

بعد إنهاء العلاج بالأدوية حان موعد البدء بالكيماوي ،كان قلبي يدق في الثانية مئة مرة ،كان داخلي يعتصر عصراً .

ذهبت إلى المستشفى برفقة صديقتي التي لطالما بقيت بجانبي دائما في السراء والضراء ،هناك التقيت بطفل صغير ،شعرت أن جسدي انتفض بالكامل حين رأيته بلا شعر رأس ،ظننت أنه سوف يبكي بعد الكيماوي ،لكن الصدمة كانت حين رأيته يضحك ،سرت خطوتين باتجاه الطفل سرعان ما تراجعت ، وعدت إلى مكاني ،لكن أمه قد لاحظت ذلك ،إقتربت نحوي

أم الطفل : ألف سلامة

(قلت لها والدمعة بعيني ): شكراً

الطفل: هل أنت خائفة من العلاج ؟ أو من السرطان ؟

نجمة : لا ،ولكن

الطفل :السرطان أشبه بحشرة صغيرة ،نأخذ العلاج المناسب لنقضي عليها ،تماما كالحشرة التي تدخل المنزل ،نستخدم لها مبيدا حشريا وينتهي الأمر ،أما السرطان نستخدم له مبيدا ألا وهو الكيماوي ،كاد السرطان أن يمزق كامل جسدي لكن الان وبفضل الطبيب أصبحت في أفضل حال .

لا أعلم كيف حضنته ،طفل بعمر العشر سنوات يسمعني هذا الكلام ،أنا التي أبلغ من العمر أربعة وعشرين عاماً .

هذا الطفل أهداني جرعة أمل كبيرة ،وحين دخلت إلى الطبيب قال نفس الكلام ،حينها علمت من أين لهذا الطفل مثل هذا الكلام الجميل .

بعد أخذ أول جرعة كيماوي ،حين عدت إلى المنزل ،كنت أشبه بإنسان ميت ،كل شيء بداخلي ميت ،الكيماوي مادة حارقة ،فما بالكم عندما يسير بعروق ودم إنسان ، حتى لم أستطع أن انظر إلى المصل حين وضعه الطبيب .

حين كنت بالسيارة العمومية وانا عائدة إلى المنزل سمعت آية قرآن (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) ،شعرت أن هذه الآية عبارة عن رسالة من الله ،رسالة حتى أصبر على ما أنا فيه .

حضنت أمي بقوة ،كطفلة صغيرة تنتظر بصيص أمل لتفرح .

في كل يوم كنت أذهب إلى المستشفى ،كل يوم مواعيد طبيب وفحوصات متواصلة ،كل يوم أجلس مع المرضى في ممر المستشفى ، والجميع يسرد قصته .

نجمة (لإحدى المريضات إسمها مريم):كيف تستطيعين أن تكوني بتلك القوة ؟

مريم : إذا أردتي أن تكوني ضحية السرطان حينها سوف تسلمي نفسك كاملا للمرض ،وتدخلين بحالات إكتئاب نفسي وحزن ويزداد المرض ،السرطان ليس حكم إعدام ،ليس حكم مؤبد واستسلام للموت ،السرطان تحدي ،إن تحديته ووضعت يقينك بالله سوف تشفى بإذن الله الواحد الأحد .

(إحدى المريضات ) : كان السرطان قد وصل إلى الفقرة الحادية عشر ،وعند عنقي أيضا ،في البداية إستسلمت وشعرت أن موعد موتي قد شارف ،حزنت على زوجي وأطفالي ،كانت تزداد حالتي سوءاً لأن عقلي كان متيقن أن لا محال سوى الموت ،لكن الأن انا ضد كل شخص يستسلم لهذا المرض ،لا أحد يتوفى إلا عندما يريد الله له ذلك ،سوى من السرطان أو أي سبب آخر ،لا تيأسي ،فوضي أمرك لله فقط .

من بعد هذا الكلام ،بعدما رأيت أن هناك حالات يتعافى بها الناس ،أصبحت أذهب كل يوم إلى المستشفى بنشاط جديد ، ومع كل جرعة كيماوي أشعر أنني سوف أتحسن في الأيام القادمة .

الممرض :هل أنتِ جاهزة ؟

نجمة : نعم

خرجت من غرفة العلاج ،وإذ بشابٍ ممسك بيد خطيبته ،محاولا رسم الضحكة على وجنتيها بالرغم من ملامح وجهها المتعبة بالرغم من المرض الذي يأكل جسدها ،تذكرت يامن كيف تركني مجرد ما علم بأمر المرض .

لم أستطع أن اتوازن ،

الممرض :من فضلك إرتاحي هنا يبدو أنك متعبة للغاية .

نجمة :أنا بخير

الممرض :لا تكابري ،سوف أخبر الطبيب في الحال

نجمة :قلت لك لا ،أنا قوية ولا أحتاج المساعدة من أحد

الممرض حدق بها وبالطريقة التي تتكلم بها وبتلك القوة

الممرض :نعم أعلم أنك قوية ولكن أنتِ الأن أخذتي جرعة كيماوي وأنت بحاجة لمن يساعدك

نجمة :صديقتي في الطريق

عدت إلى المنزل ومشهد الشاب والصبية مازال في مخيلتي ،لا أعلم كيف سأسيطر على المشاعر الموجودة بداخلي ،كيف سأخفي حنيني إليه ،تذكرت كل شيء جمع بيني وبينه ،كلامه الجميل ،اهتمامه بي ،كان بداخلي قلب بحاجة إلى نصفه الاخر ،كانت هناك مدة ليست بقصيرة على فراقنا ،وكرامتي كانت منتصرة على اشتياقي ،لكن بلحظة ضعف ،كسرت كل مبادئي ،وكل حواجز كبريائي ،التقطت هاتفي وهاتفته ،كانت بداخلي لهفة كبيرة لأسمع صوته

يامن :من المتصل ؟

توقعت كل شيء منه إلا أن يحذف رقمي أو أن ينسى صوتي .

نجمة :أنا أكثر إنسانة أحببتك ،وأكثر إنسانة غدرت بها ،أنا أكثر إنسانة ضحت وعانت من أجلك ،وأكثر إنسانة ضحيت بها ،لا أعلم إذا تذكرتني أم لا ؟

يامن :كيف هي أمورك ؟

نجمة :كيف سأكون وقلبي بعيدا عني

يامن :انتبهي على نفسك و لا تتذكري الماضي

صمت قليلا

يامن :اين ذهبتي ؟

نجمة: أعتذر أظن الرقم خطأ ،نعم نعم الرقم خطأ .

في منتصف الليل شعرت بحرارة داخل جسدي كادت أن تخنق أنفاسي ،لهيب بداخل أحشائي دفع النوم بعيدا عني ،صرت ألهث حتى أعيد نفسي الضائع .

ارتديت أسدال الصلاة وخرجت إلى الشرفة ،شربت القليل من الحليب البارد حتى يطفئ الشعلة الملتهبة بصدري ،لم أكن أعلم أنه سوف يهيج الحرقة أكثر .

وفجأة وضعت يدا على كتفي

نجمة :ابي ؟

السيد سعيد :هل أنتِ بخير ؟

خبأت دموعي وشكرت الله على ضعف الإضاءة ولم يرى دموعي .

نجمة :أنا بخير ،أردت أن اشرب كاسا من الحليب ،لا تخف انا بخير يا أبي الحنون

السيد سعيد : حسنا أنهي الكأس واخلدي للنوم حتى تأخذي قسطا من الراحة .

كنت أسير وسط ساحة المستشفى إذ بشاب يسقط أرضا فجأة ، ركضت نحوه على الفور ،

نجمة :أخبروا الممرضين بسرعة

كان نفسه غير منتظم ودقات قلبه شبه معدومة ،

قمت بإجراء CPR بسرعة ،خوفاً من أن يدخل بسكتة قلبية ،كان الممرض يعقوب يجري نحونا ،وفجأة لمحني وأنا أجري CPR .

يعقوب في نفسه : المصل معلق في يدها وهي مريضة وتساعد غيرها !

يعقوب : ماذا تفعلين ؟ إبتعدي هيا أنت مريضة .

نجمة : يعقوب ساعدني رجاء هيا الشاب في خطر

يعقوب : حسنا قومي بالعمل على مضخة الهواء وانا أجري له مساجا لعضلة القلب ،هيا هيا

نجمة :ارفعوه على السرير هيا

يعقوب :هيا اذهبي انتي وإلا سوف ينفك المصل من يدك

وما هي إلا بضع ثوان وبعدها لا أذكر شيئا .

استيقظت وإذ بيعقوب فوق راسي

يعقوب :هل انت بخير؟

نجمة :نعم

يعقوب :مئة مرة أخبرك الطبيب أنه يجب ان تحافظي على راحتك لماذا لا تسمعين الكلام !

نجمة :وهل اتركه يموت امامي

يعقوب : وأنت ؟

نجمة : هو ليس مريض سرطان سوف يشفى أما انا لا

يعقوب : لا أريد هذا الهراء ، سوف تعودين نجمة القوية ولن يتبقى للمرض أي أثر

نجمة : إن شاء الله

يعقوب :كيف استطعت أن تفتحي مجرى التنفس للشاب ؟

نجمة : أنا ممرضة

يعقوب : أنت فتاة قوية للغاية بإذن الله سوف تصبحين في أفضل حال ونعمل معا

نجمة : إن شاء الله

يعقوب : استمعي لي قليلا ومن ثم كأن شيئا لم يكن هكذا دائما

ضحكت قليلا وقلت له : حسنا حسنا

يعقوب (لأحد الممرضين ): هل ترى هذه الفتاة ، منذ أن رأيتها أول مرة ، قد ارتاح قلبي لها

الممرض : ماذا يعني هل تحبها ؟

يعقوب : ربما

أردف قائلا :بداخلها شيء جميل ، تارة تراها طفلة بريئة ،وتارة أخرى تكون فتاة قوية ، أفرح حين اراها واشتاق لرؤياها

الممرض : اذا انت تحبها بالتأكيد

الطبيب: ممرضين هيا إلى الطوارئ بسرعة بسرعة هيا

نجمة : أمي ماذا تفعلين ؟

السيدة نسرين : نجمة لقد طهوت لك أكلتك المفضلة هيا تعالي

نجمة : أمي شكرا شكرا ، كم احبك واحب هذه الأكلة (ورق عنب)

السيدة نسرين : هيا تناولي طعامك يا طفلتي المدللة

تناولت قليلا ثم لم أستطع أن أتناول أكثر ، لم أستطع أن اتذوق طعمه ،شعرت وكأن حاسة التذوق معدومة بسبب الكيماوي .

خلال هذا الاسبوع لمن يكن لدي أي جلسات علاج أو فحوصات ، كنت جالسة أشاهد التلفاز وفجأة طرق الباب ،وضعت أسدال الصلاة وفتحت الباب .

نجمة : يعقوب ؟

يعقوب : هل نستطيع أن نتكلم قليلا ؟

نجمة : أعتذر لا أحد في المنزل

يعقوب : نجلس هنا إذا أردت ؟

نجمة : حسنا

يعقوب : أردت أن اطمئن عليك

نجمة : هذا الأسبوع لا يوجد جلسات لي

يعقوب : أعلم ،وأردت أن اعطي لك هذا الظرف

نجمة : ما هذا ؟

يعقوب : خلطة أعشاب ، تقومين كل يوم بغليها و شربها على معدة خاوية

نجمة : إن شاء الله ، ولكن أريد أن أسال سؤال ؟!

يعقوب : تفضلي

نجمة : هل تهتم هكذا بجميع المرضى

يعقوب : لا

نجمة : لماذا تهتم لأمري إذا ؟

يعقوب : لا أعلم

نجمة : وضح لي ؟

يعقوب : اشربي الخلطة واستمعي الى الكلام يا مشاغبة ، هيا ادخلي البيت بسرعة بسرعة ، سوف أذهب أنا

نجمة : إنتظر قليلا

يعقوب وهو يضحك : سلام

نجمة : سلام

هذا الممرض كان يخفف عني آلاما كثيرة ويساندني ، كان يرسم البسمة دائما على وجهي ،ويقلع كل شوكة حزن بداخلي ، ويزرع بداخل قلبي السعادة والقوة ، معه كنت أنسى كل شيء .

بعد عدة اشهر أصبحت علاقتي مع يعقوب قوية للغاية ، هي صداقة أم حب لا أعلم ؟

لكن الشيء الوحيد الذي كنت اعلمه أن وجوده في حياتي شيء إلزامي .

وفي أحد الايام حيث كنت جالسة في غرفتي

السيدة نسرين : نجمة ، ارتدي ملابس جيدة وانزلي الى غرفة الاستقبال

نجمة : لماذا ؟

السيدة نسرين : هيا بسرعة

ارتديت ملابسي وتوجهت نحو غرفة الاستقبال ، كانت مفاجأة لي حين رأيت يعقوب وأمه وأبيه يجلسان مقابل أمي وأبي ، طرحت السلام عليهم وقامت أمه بتقبيلي

طلب يعقوب أن نجلس قليلا معا ، على إعتبار أننا لا نعرف بعضنا البعض من قبل .

نجمة : لماذا تعذب بي ؟ لماذا؟

يعقوب : أنا لا أعذبك ، أنا أحبك واردت أن تكوني زوجة لي ؟

نجمة : انت لا تحبني ، انت مشفق عليه لا أكثر

يعقوب : أشفق على من ؟ على فتاة أنحني أمام قوتها ؟

نجمة : هل تريد فتاة سوف يتم استئصال رحمها بعد شهر ؟ فتاة سلب السرطان منها شعرها ؟ فتاة لا تتذوق طعم الأكل ؟ فتاة لن تنجب لك أطفال ؟

يعقوب : نعم أنا متيم بتلك الفتاة ولا أريد فتاة غيرها

نجمة : سوف تتألم كثيرا بسببي

يعقوب : يشرفني أن أتألم بسببك

نجمة : لن اسمح لك بهذا

يعقوب : من قال أنني أريد الإذن منك ، انا هنا حتى اخبرك انك سوف تصبحين زوجتي قربيا لا أكثر وأمامك خياران

نجمة : ما هما ؟

يعقوب : أن تقبلي بهذا الزواج ، أو أن تصبحي زوجتي ؟

اردف قائلا : الخيار لك أنا لا اجبر أحدا على شيء

ضحكت قليلا : هكذا إذا

يعقوب : نعم هكذا

بعد أسبوعين قمنا بتجهيز أوراق عقد القران ولكن لن نقوم بالإحتفال ودعوة الكثير من الناس حتى أقوم بإجراء العملية .

نجمة : أنا خائفة جدا أمي لا أريد أن أموت لا اريد

السيدة نسرين : لا تخافي يا قرة عيني سوف تكونين بخير

الممرضة : الآن سوف نذهب لتتجهزي لإجراء العملية

نجمة (وأنا ابكي ): لا أريد الموت لا لا

رقم غريب يتصل إلى هاتفي

يعقوب : من المتصل ؟

يامن : أريد أن اتكلم مع نجمة

يعقوب : نحمة الآن في العملية ،من أنت ؟

يامن :عملية ؟ نجمة ؟ كيف ؟ ليش؟ ما اسم المستشفى ؟

يعقوب :من أنت ؟ ما علاقتك بها ؟

إنقطع الاتصال .

استعدت وعيي ، فوجدت أمامي شخصين ، الأول إنسان أحببته وخذلني ، والآخر أحبني واسعدني ، قلبي كاد أن يقف .

يامن : نجمة ، يا حبيبتي سوف تكونين بخير

كنت أنظر إلى ردة فعل يعقوب ، كان يقف في زاوية الغرفة دون أن ينطق ببنت شفه .

يامن : ارجوك سامحيني أنا أحبك لم أستطع بدونك

إستجمعت قواي وكنت سوف اخرج من تلك الغرفة ، لكنه أمسك يدي وركع امامي .

نجمة : على ماذا أسامحك ؟ على الليالي التي سهرت فيها وجعا وألما لغيابك ؟ هل أسامحك لأنك تركتني وأنا في أمس الحاجة لك ؟ هل ترى هذا الشاب ؟ هذا من ضمد جروحي التي زرعتها بداخلي ، الحب الموجود بقلبي سوف يسكن بداخلك بعد وفاتي ، أقسم لك بدموعي التي سقطت بسببك ، و قلبي الذي حرقته ، سوف أجعلك تذوق نفس الألم ، أقسم لك بحبي وقلبي الذي روحه تخرج منه ، لأجعل روحه تعشش فيك وتسكن خلايا جسدك ، ما ذنبي ؟ ذنبي أنني أحببتك عشقتك وضحيت من أجلك ؟

قام يعقوب بإخراجه من الغرفة ، وساعدني لأستلقي على السرير .

جلست في المستشفى أسبوعا من أجل المراقبة.

كنت أقف أمام المرآة ،خلعت الشال عن راسي ،لأجد إنسانة لا اعلم من هي ،إنسانة بلا شعر رأس بلا حواجب بلا رموش ،أصابتني هستيريا ضحك .

وفجأة دخل يعقوب ،رآني في هذا المنظر ،حدق بي لبرهة ،ثم ركض نحوي يحتضنني .

يعقوب : إهدئي يا عمري إهدئي

نجمة (وانا ابكي) : أبدو كعجوز ، ملامحي باهتة

يعقوب : بعد انهاء العلاج سوف يعود كل شيء كم كان وأفضل ، وسنقيم أجمل حفلة زفاف

نجمة : لا اريد اتركني يا يعقوب ، انت تستحق فتاة أفضل مني

يعقوب : لا اريد هذا الكلام مرة اخرى ،انت نجمتي التي تضيء حياتي وحبيبتي وكل شيء جميل .

خرجت من المستشفى وعدت إلى المنزل ، جميع أقربائي جاؤوا من أجل زيارتي ، ثم بعد يومين حيث كنت اقرأ كتابا ،أتت صديقتي الى نحوي قائلة : هيا اصعدي الى غرفتك وارتدي ملابس جميلة

نجمة : لماذا ؟

صديقتي : من أجل شراء حوائج العرس المتبقية

نجمة : لا أريد

صديقتي : يعقوب

نجمة : هل يعقوب هنا ؟

يعقوب : ما بها نجمتي الجميلة

نجمة : لا اريد شراء شيء ولا اريد الزواج ولا شيء

يعقوب : لا اريد ان اغضب ابدا ، خلال عشر دقائق سوف تكونين جاهزة ، انا انتظر في السيارة في الخارج ، انظري لقد حلقت شعر رأسي تماما مثلك ، لكن المشكلة ان شعرك سوف ينمو ويطول أما شعري سوف يبقى قصيرا ، هيا انتظركم

نجمة (مستسلمة) : حسنا

ذهبنا إلى المول

يعقوب : هل تركضي ؟

نجمة : وهل تراني أستطيع

يعقوب : رياضة

نجمة : حسنا

كنا نركض وانا اضحك ونسيت ألمي وكل شيء حتى وضعت في موقف لا أحسد عليه ، سقط الشال عن رأسي لأن الشعر المستعار لم يكن ثابتا جيدا ، جميع الموجودين أخذوا ينظرون نحوي ، منهم من استهزأ بي وضحك ومنهم من أشفق علي ، لم أعلم ماذا أفعل

وضعت الشعر المستعار بيدي وقلت موجهة كلامي لهم : لماذا تستهزؤون بي ؟ ما ذنبي إن سلب السرطان شعري ؟ما ذنبي أنا ما ذنبي ؟

هذا الموقف بقدر ما اوجعني بقدر ما جعلني أشعر بالقوة .

اليوم هو يوم زفافي ، الجميع كانوا يرقصون ويضحكون ، كانت السعادة تغمرني ، ارتديت بدلة بيضاء ووضعت تاجا بسيطا مع طرحة على رأسي بلا شعر مستعار ، لم اخجل أبدا ، بل أردت أن اكون قوية ولا استسلم ، نظرت الى يعقوب ، كانت السعادة تبدو عليه ، قلت في نفسي : هذا نعمة من الله لي

يعقوب : الحمد لله أصبحت زوجتي في النهاية

وأخذ يزلغط ويضحك

ضحكت كثيرا ثم قلت له : أحبك يا نعمة من ربي

يعقوب : وأنا أيضا

نجمة : ماذا أيضا ؟

حملني بين يديه وأخذ يدور وهو يقول لي : وأنا أحبك أحبك كثيرا

بعد زواجنا بأسبوعين كان يجب أن أعود واكمل العلاج حتى نضمن عدم انتشار المرض في مناطق أخرى ، مع كل جرعة علاج أكسب جرعة أمل وتفاؤل ، وأن كل شيء سوف يعود كما كان وأن شعري سوف ينبت من جديد ، وملامحي سوف تعود جميلة .

في أحد الليالي ، بعد جلسة كيماوي قد أخذتها قبل ساعتين ، رفعت الغطاء عن جسدي ، لم اعد أستطيع تحمله ، شعرت أن جسدي ينبض حرارة ، استحممت قليلا بالماء البارد ليطفئ اللهيب ، لكنه لم يجدي نفعا ،شعرت بلهب يخرج من فمي ، كنت اتخيل لو فتحت فمي سيخرج نارا تماما كالتنين ، شربت كأسا من النعناع المغلي حتى أشعر قليلا بالراحة .

جلست على الكرسي في المطبخ ،ت ذكرت حينها كلام الطبيب ، ان هذه الأعراض جميعها نتيجة الكيماوي ، لم اكن اتخيل انها بهذه البشاعة وأن الأدوية والمسكنات لا تجدي نفعا .

عدت الي الغرفة اذ بيعقوب يبحث عني في الطابق العلوي

يعقوب : نجمة حبيبتي هل انت بخير ،هل نذهب الى المستشفى حالا ؟

نجمة : لا لا أنا بخير

يعقوب : هل احضر لك دواء

نجمة : قلت انا بخير لا داعي للقلق ، هيا للنوم

قاومت كثيرا ، للحظة شعرت أن الحياة سوف تقف هنا ولن استطيع ان أكمل حياتي ، لكن واخيرا قد جاء اليوم المنتظر .

ذهبت انا ويعقوب الى المستشفى سويا لنستلم نتيجة الصورة التي قمت بإجرائها التي توضح جميع خلايا جسدي ،

كان جسدي ينبض خوفا ، ويعقوب ممسك بيدي ، دخلنا عند الطبيب ، بدأ الطبيب بالكلام لم استطع تمالك نفسي ، ركضت خارج الغرفة وسقطت ارضا ، خفت أن ابقى سجينة في هذه المستشفى خفت أن أواجه الحقيقة لم أستطيع أن اكابر ، جاء الطبيب ويعقوب ورائي خارج الغرفة ، لا أذكر ما قال الطبيب الا جملة واحد (المرض قد زال اطمئني ) ، لم اتمالك نفسي دموع الفرحة سقطت على وجنتي ، عدت الى منزل أمي وأبي مباشرة احتضنت أمي وبكيت على كتفها ، بعد ذلك توضأت وأخذت أصلي أحمد الله وأشكره .

الامر الذي كان صدمة كبير بالنسبة لي ، وفاة يامن ،علمت بالخبر حين كنت أتصفح الإنترنت ، علمت في حينها انه قد توفى إثر حادث سيارة .

قلت في نفسي : وهل يعقل هذا ؟ انا التي أتعالج سنتين متواصلتين في المستشفى لقد تعافيت ، اما هو بلا أي مرض هكذا بهذه السهولة قد توفى ، حينها زاد يقيني بالله اكثر وتيقنت أن السرطان ليش هو حكم الموت ليس حكم الإعدام ، بل الموت بيد الله وحده .

بعد فترة وجيزة استعدت قوتي بالكامل ، وذهب الى المستشفى حيث يعمل يعقوب ، وقدمت طلب وظيفة ، وبدأت بالعمل بعد قبولي في المقابلة ، أكملت حياتي من حيث توقفت .

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط