رواية “موسم الظل” فضائح النخاس والاستعباد بالزنوج

رواية موسم الظل، فضائح النخاس والاستعباد بالزنوج

شبكة الأحداث الدولية :

 

يينا نيوز/أبو بكر العيادي اليوم ثمة وعي متنام بضرورة الإقرار ببشاعة تجارة الرقيق، كما في الرواية السابعة للكامرونية ليونوراميانو ‘موسم الظل‘

ليونور ميانو آثرت تصوير حياة القرى الأفريقية الداخلية

تجارة الرقيق اتخذت لها منذ القدم أوجها معلومة، عربية إسلامية، وأوروبية، وأطلسية، ووجها آخر ظل الأفارقة يتسترون عليه، ونعني به دورهم هم أنفسهم في الاتّجار بإخوانهم طمعا في غنم مادّي. ولكن ثمة اليوم وعي متنام بضرورة الإقرار بهذا الجانب المظلم، كما في الرواية السابعة للكامرونية ليونوراميانو “موسم الظل” الصادرة أخيرا عن دار غراسيه بباريس.

باريس – تدور أحداث رواية “موسم الظل” في مكان ما من الغرب الأفريقي، في بلد لا تسميه الكاتبة (قد يكون وطنها الكاميرون ) وفي عصر لا تذكره (ربما إبان القرن السابع عشر، زمن تصاعد تجارة الرقيق نحو القارة الأميركية، شمالها ووسطها وحتى جنوبها).

عبر مكابدات قبيلة مولنغو، التي يتزعمها موكانو وأخوه موتانغو، نتلمس الطريقة الماكرة التي أوقعت أفرادها تحت هيمنة قبيلة بويلي.

كان أبناء مولنغو متكاتفين، متعاضدين، لهم قاعدة حياة تجمع شملهم: “أنا موجود لأننا موجودون”، ولكن ذلك لم يشفع لهم في مواجهة جشع البيض الذين يُكَنّون عندهم بـ “موكالا” أي “ذوي أرجل الدجاج”، الوافدين من الضفة الأخرى للمحيط الأطلسي، وتواطؤ سكان السواحل من قبيلة إيديزي.

غنائم بشرية

أبناء القبائل الثلاث ينحدرون من أصل واحد، منهم أشرار، قبيلة إيديزي التي تعيش على الساحل، ويميل أفرادها إلى النهب والسلب. ومنهم مسالمون يحترمون حياة البشر ولا يجيدون القتال، قبيلة مولنغو التي تقيم في سهول تحيط بها الأدغال.

ومنهم المرائي والمنافق، قبيلة بويلي الموزعة بين الطمع والخوف؛ فإذا الجشع والرغبة في متاع الدنيا والنفس الأمارة بالسوء تقودهم جميعا إلى انفصام العرى بشكل تراجيدي. والكاتبة تصور هذا التمزق في الجسد الواحد، والخوف الذي يسكن النفوس الهاجدة إذ تتوجس الشر كلما جنّ الظلام.

“النهار يتأهب لطرد الليل، في أراضي قبيلة مولنغو. النساء نائمات، ولكنهن، حتى وعيونهن مغمضة، يعلمن أن الحذر من الأصوات التي لا وجه لها أمر واجب. فالشرّ كائن. يعرف كيف يبطن موقفا غير الذي يبديه“.

تبدأ الرواية بهجوم ليلي صاعق على قرية مولنغو وحريق يأتي على أكواخها، ويشتت شمل سكانها الذين استجاروا بالغابة المجاورة حتى زوال الخطر. ولما طلع الفجر، عادوا إلى ما تبقى من قريتهم فاكتشفوا أن عشرة شبان ورجلين اختفوا، دون أن يفهم أحد ما حدث، ولا أن يجد له تفسيرا.

وكان أول ردّ فعل لمجلس الشيوخ والأعيان إبعاد النساء اللاتي اختفى أبناؤهن، عملا بنصيحة القابلة إيبيزي، لتجنيب الباقيات عدوى حزنهن، وتفرغِ الرجال لإعادة بناء القرية، وفي تقديرها أن النساء المكلومات سيواسي بعضهن بعضا.

ضدّ هذا القرار الجائر، تتمرّد إيابي إحدى الأمهات المبعَدات، وقد استهانت بالتقاليد التي تحرّم على المرأة الارتحال وحيدة، فتجدّ في البحث عن ولدها، في مسعى يقودها إلى السواحل الغربية، بلاد الماء كما يسميها سكان المناطق الداخلية.

أما موكانو، رئيس القبيلة، فيقرر هو أيضا أن يضرب في الأرض وحيدا بحثا عن المفقودين، بعد أن عارض الشيوخ اقتراحه بتجهيز مقاتلين للقيام بالمهمة نفسها.

على السواحل يكتشف الإثنان بحّارة بيضا غرباء، يشحنون سفنهم الراسية في المرافئ بغنائم بشرية، رجالٍ سود مصفدين بالأغلال، أو محبوسين في الشباك كالسوائم. والأدهى أن ذلك تمّ بالتواطؤ مع الأجوار من قبيلة بويلي، الذين لم يتورعوا عن القبض على إخوتهم في العرق والانتماء ومقايضتهم بالبنادق والحلي والأقمشة.

رواية الذاكرة

الرواية لا تكتفي بسرد مآسي كل من انتزع منه ابن أو أخ وبيع المتاع أو الأنعام فحسب، بل تبين أيضا الطريقة التي كانت تلجأ إليها منظومة النّخاسة لتخلق داخل كل قرية أفريقية سلم مراتب من أوغاد وأبطال وشهود صامتين، في عالم يتجاور فيه “الذين قاوموا الاضطهاد” و”الذين تأقلموا معه” كما تقول ليونوراميانو. فالكاتبة، وإن كانت تدين خيانة البعض من بني جنسها لإخوتهم، فهي تقرّ بأن كثيرا منهم لم يكونوا يملكون خيارا إزاء خطر ليس منه مهرب. هل يقولون “نعم” للنّخّاسين البيض كما فعلت قبائل المناطق الساحلية ؟ أم يقولون لا فيعرضون أنفسهم للقتل؟ ومن نافلة القول إن صياغة هذا السؤال تغني عن الجواب، فالذين صمتوا، إنما خنسوا لأنهم فقدوا المعركة، أو أحسوا أن موازين القوى مختلة.

“موسم الظل” ليست رواية تاريخية، بقدر ما هي رواية الذاكرة، رواية تعيد الحياة إلى أناس مغمورين، وتغوص في أعماقهم تستشف معاناتهم وتسائل توقهم إلى الأرض التي اجتُثّوا منها بالغدر والعدوان والخيانة وأمل أهلهم في العودة. رواية انبنت على اللحظة الفارقة بين اندحار عالم وبروز عالم جديد لم يكن أحد يعرف ملامحه بعد.

لذلك لم تركز الكاتبة على النّخّاسين في علاقتهم بأهالي السواحل بل آثرت تصوير حياة القرى الأفريقية الداخلية، التي لم تشهد الرق ولم تسمع به، بل نزل عليها كالقضاء المبرم. فغاية قبيلة مولنغو مثلا ليست التعرف على القائمين بتلك التجارة وهوياتهم، بل معرفة المكان الذي يوجد فيه أبناؤها وسبل إرجاعهم إلى ديارهم.

رواية شائقة صيغت بسلاسة بليغة، تؤكد قدرات هذه الكاتبة المقيمة في باريس، والتي سبق أن لفتت انتباه النقاد برواياتها السابقة مثل “الأصباح القرمزية” و”حدود اليوم الذي يأتي” الفائزة بجائزة غونكور طلبة المعاهد عام 2006. نص متين يعيد إلى الأذهان ما عاناه السود على مر التاريخ من معاملة لا تليق بالإنسان، فاعلا كان أم مفعولا به، نخّاسا أم مستعبدا، ولا تزال وصمة عار في جبين الإنسانية./

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط