روسيا بعد سوريا أوكرانيا – الجزء الخامس

وكالة الأحداث الدولية : مصطفى منيغ/ برشلونة.

 

أصعبُ مِن الحربِ الانسحاب منها منصوراً أو مهزوماً ، والمستعدّ لها يحسب ألف حسابِ للحظة التوقفِّ عن خوضها فارحاً أو مَهْمُوماً ، مُقَدِّماً الخسارة بأضعاف حدوثها على الكَسْبِ مهما قَلّ مُعْلَناً عنه أو إبقائه مكتوماً ، نزولاً لضجيج السياسيين حتى يخفَّ صداه المزعج رُوَيْداً رويداً كالمقتول مسموماً.

روسيا مُكوَّنة في الميدان لاعتماد بقائها على القوة لتفرُّد نظامها على أساس المُقدّمة الحاكمة مُنغلقة على قراراتها تماماً ، الديمقراطية متروكة للتعامل الخارجي لمن يحسبها اطمئناناً وسلاماً ، أما بالنسبة لمن ألِفَ الأبيض أبيض والأسوَد أسوَد لا إتِّباع حياله إلاَّ ما يراه سُلَّماً ، يتسلَّقه درجا درجاً مُعزَّزاً بما يجعله مُتقدِّماً ، أَضْعَف ما يَقبَل به التفاوض من أجل التفاوض اختياراً منه وليس إلزاماً .

أوكرانيا حاولت أكثر مِن مَرَّة ضمان موقع مؤثر لها وسط جناحي الصِّراع الدفين بين عالمين لم يقنع أي منهما بما أدرك شرعاً أو انتقاماً ، ولما فاض بها كأس الانتظار مالت لطرق باب الحلف الأطلسي كخطوة لانجاز توطئة تقيها أي قادم ترجمته شقاء وآلاماً ، أوربا بها من الحكماء ما يحصِّن إتحادها من اندفاع السياسيين الراغبين على توسيع المساحة أما الباقي فليس لهم به عِلْماً، فوقَعَ التأكٌّد أن الولوجَ لحربٍ ذي المصير المجهول والعواقب البعيدة المَدَى تُعَرِّض أوربا عموماً ، لوضعيات جد مؤسفة تتحوَّل ساحاتها الخضراء كما وقع في مدن عدة بأوكرانيا إلى مقابر جماعية لا يسمع في محيطها كلاماً ، سوى صمت الندم أمام غزو مَن أصبحوا للقتل وإشاعةِ دَمارِ الفتنة خًداماً ، فحَصَلَ التَّراجع الحتمي وسيلة للتَّخفيف عن النَّكبة بترك أوكرانيا وحيدة للدفاع عما كان لها أهدأ مَقاماً ، بعد ألاف القتلى وملايين الفارين والآتي أصعب فتكاً وتحطيماً ، ما لم تُعالَج الأخطاء بقبول أقلِّ الأضرار مهما عايش بها الجانب المعني ردحاً مِن الزمان مَصدوماً .

وما عسى تركيا قادرة على تقديمه غير كسب ما طمحت له أعواما ، القضاء على معارضيها من الأكراد حيث أقاموا ولو كلفها الأمر حرمان السويد من عضوية الحلف الأطلسي وما قد يترتب عن ذلك من تصدع أوربي ليس له مهما طال انعداماً ، لذا بحثها عن جزء من أثمن غنيمة يبتدئ من مرافقة روسيا بعرض وساطة تختبئ وراء الإفراج عن قمح أوكرانيا وكأنها تحظي بفرضِ حَلٍ طَرَقَها على حين غرة إلهاماً ، والحقيقة المُضيَّعَة أن القضية بين يدي أوكرانيا تضغط بها لجلب جيَّاع بعض الدول لمساندة مقايضة فسح المجال أمام تصدير القمح بانسحاب روسيا ممَّا احتلّته وطي ما سيظل على جبين حرب غير عادية  مرسوماً .(يتبع)

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط